الملائكة الكرام يصحبون بني آدم من يوم
تكوينهم في بطون أمهاتهم حتى نزع أرواحهم من أجسادهم يوم موتهم ، وهم
أيضاً يصحبونهم في قبورهم وفي الآخرة .
ـ أما صحبتهم له في الدنيا فتكون كما يلي :
أولا : يقومون عليه عند خلقه .
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
وكَّل الله بالرحم ملَكاً ، فيقول : أي رب نطفة ؟ أي رب علقة ؟ أي رب مضغة
؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال : أي رب ذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟
فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه .
رواه البخاري ( 6595 ) ومسلم ( 2646 ) واللفظ للبخاري .
ثانيا : حراستهم لابن آدم .
قال تعالى : { سوآءٌ منكم مَن أسرَّ القول
ومَن جهر به ومَن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار . له معقِّبات مِن بين
يديه ومِن خلفه يحفظونه من أمر الله } [ الرعد/10-11] .
وقد بين ترجمان القرآن ابن عباس أن المعقبات
مِن الله هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه ،
فإذا جاء قدر الله - الذي قدّر عليه أن يقع به من حادث ومصاب ونحوه -
تخلوا عنه .
وقال مجاهد : ما من عبد إلا له ملَك موكل
بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه إلا
قال له الملك : وراءك ، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه .
وقال رجل لعلي بن أبي طالب : إن نفرا من مراد
يريدون قتلك ، فقال - أي : علي - : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم
يُقدَّر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، إن الأجل جُنَّة حصينة .
والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة
بالآية الأخرى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء
أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } .
فالحفظة الذي يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له .
ثالثا : الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات .
ما من أحد من الناس إلا وله ملكان يكتبان
أعماله من الخير والشر من صغير أو كبير ، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين
، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار/10 -12] .
وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما
توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن
اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ق/16-18]
ويكتب صاحب اليمين الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات .
عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ ،
فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / 158 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 2 / 212 ) .
وإذا علمنا هذا تبين أن عدد الذين يصحبون ابن آدم بعد ولادته : أربعة ملائكة .
قال ابن كثير رحمه الله :
وقوله : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه
يحفظونه من أمر الله } أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس
بالنهار ، يحفظونه من الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ
الأعمال من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار .
فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات .
وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحد من ورائه وآخر من قدامه .
فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل . " تفسير ابن كثير " ( 2 / 504 ) .
والله أعلم