درجات الترقي لا تحصى فالإنسان يترقى ويترقى وما للترقي انتهاء فالصراط المستقيم قال عنه الحبيب (ص): بأنه احد من السيف وأدق من الشعرة ومعناه الاستقامة في أي أمر وكل خط وسط له خط وسط أدق منه لذلك قال الحبيب
استقيموا و لن تحصوا )
كان يا ما كان بقديم الزمان كان هناك رجل حطاب يذهب كل يوم إلى الغابة ليقطع الأشجار ويبيعها وكان فقيراً كادحاً يكدح ويتعب يومه كله في تقطيع الأخشاب وبيعها وبعد كل هذا التعب بالكاد يطعم زوجته وأطفاله، وكان كلما ذهب إلى الغابة يرى ذلك العابد تحت تلك الشجرة التي لا يفارقها جالساً يتأمل ويتعبد الله وفي كل مرة يرى فيها الحطاب ذاك العابد يلقي عليه التحية والسلام وينحني إجلالاً وتعظيماً له في الذهاب والإياب وبقي العابد والحطاب على هذه الحال فترة من الزمن .
وفي أحد الأيام قال العابد للحطاب :اسمع مني هذه النصيحة ؛بدل أن تضيع حياتك في تقطيع الأخشاب امشي قليلا للأمام بعد هذا المكان وستجد منجماً للنحاس أليس هذا أفضل لك بدل أن تعمل كل الأسبوع، يكفيك عمل يوم واحد وترتاح باقي أيام الأسبوع فتؤمن حاجاتك وتضمن لك ولعائلتك الراحة. لم يصدق الحطاب ما قاله العابد عن منجم النحاس فهو لم يره قد غادر تلك الشجرة التي يجلس تحتها ويغمض عيناه للتأمل والعبادة من قبل.
فقال في نفسه: لم لا أجرب لن أخسر شيئاً فتقدم نحو الأمام قليلا فوجد منجم النحاس ففرح كثيرا وفعلا أصبح يعمل يوماً ويرتاح بقية أيام الأسبوع هو وعائلته حتى أنه فتح بابه للناس والضيوف وأصبح يستقبل الأصدقاء ويقيم في بيته الولائم للناس حتى أن جميع من حوله فوجئ بهذا الغنى الذي حل عليه فجأة وبقي كذلك فترة من الزمن .
إلى أن قال له العابد في أحد الأيام : لماذا أنت هكذا أحمق لو أنك مشيت للأمام قليلاً لوجدت منجماً للفضة وفي هذه الحالة سيغنيك عمل يوم إلى ستة أشهر قادمة .كان الحطاب سعيداً جداً بمنجم النحاس ولم يصدق ما قاله العابد
ولكنه قال في نفسه : لقد صدق معي في المرة الأولى سأجرب ولن أخسر شيئاً وفعلا مشى للأمام قليلا فوجد منجم الفضة ففرح به كثيرا فكان يعمل يوماً ويرتاح لستة أشهر وعاش في رفاهية ورغد هو وأهله
ومرة أخرى بعد فترة من الزمن يراه العابد ويقول له :أنت حقاً أحمق تقدم قليلا للأمام وستجد منجماً للذهب .الآن زادت الفكرة عن حدها معقول فما يقوله العابد يحدث فعلا ويصدق في كل مرة ولكن الحطاب أغوته الفكرة وأيضاً صدق العابد هذه المرة ووجد الحطاب منجم الذهب.
لقد أصبح الآن غنياً جداً أو بالأحرى ثرياً وصار عمل يوم يكفيه لسنوات يرتاح بعدها دون عناء وبدأ الغرور والتكبر يتسللان إلى نفسه لقد صار أعظم من أن ينحني للعابد أو يحييه (العابد الذي يهتم بهذا الأحمق ويرعاه ) هذا العابد الذي يقضي عمره تحت هذه الشجرة دون أن يفارقها مع علمه بمكان منجم الذهب.
وفي أحد الأيام دعه العابد وسأله :أراك لم تعد تأتي لزيارتي ولم تعد حتى تلقي علي التحية أو تنحني لي وهأنذا أصبحت الآن كبيرا في السن لم أعد استطيع الانتظار أكثر فقط امض قليلا للأمام وستجد منجماً للماس لا تضيع وقتك. وكما في كل مرة مشى الحطاب قليلا للأمام ووجد منجم الماس وبعد هذا الثراء الفاحش الآن هو لن يأتي لسنوات.
وفي المرة الأخيرة أرسل إليه العابد :احضر فوراً فأنا على فراش الموت ويجب أن أكشف لك السر الأخير ؛قال في نفسه :ما هو هذا الشيء الذي هو أعظم من الماس في الجواهر هل هذا معقول ليس هناك ما هو أثمن من الماس هذه هي النهاية هكذا وصل الحطاب بعلمه إلى هنا ووقف عقله عند هذا الحد ..لكنه أتى إلى العابد وسأله :ما الخبر ؟هل ستقول لي امض قليلا للأمام ؟!!
فقال العابد :نعم لأن هذا المنجم سينتهي قريباً .الحطاب بدهشة: أنا لا استطيع أن أصدقك أكثر من هذا فأنا سعيد جداً بهذه الحال ؛لماذا يجب أن أذهب ؟ وإذا كنت على علم بكل هذه الكنوز لماذا تجلس تحت هذه الشجرة كل هذه الأيام ولا تستفيد من علمك!!!.. فقال العابد :تقدم قليلا للأمام وستجد الكنز الحقيقي الذي في داخلك ستجد نفسك.
لم يفهم الحطاب ماقاله العابد فسخر منه وقال هذا أكثر من اللازم لا بد أنك مخبول أنا سعيد جداً بهذا الحال وبعد ذلك مات العابد الصوفي ومرت السنوات وبدأ الحطاب يفكر لقد كان عمره يتسرب من بين يديه وها هو الموت يقترب فتذكر كلمات العابد الذي كان يرشده في حياته وقال سأمضي قليلا للأمام علني أجد ما أبحث عنه فذهب فوجد الغابة الجميلة ووجد هناك شجرة تشبه شجرة العابد التي كان يجلس تحتها فجلس تحت هذه الشجرة هارباً من مشاغل الحياة وملذاتها وأغمض عينيه وغاص في الصمت العميق عاد إلى أعماق نفسه وهنا وجد الكنز الحقيقي الذي حدثه عنه العابد وعرف ما الذي جعله يترك كل هذه الكنوز مع كل هذا العلم ووجد كنزه الداخلي وجوهرة نفسه.
ومن عرف نفسه عرف ربه