أمنا عائشة رضي الله عنها
(الجزء الثالث)
مرض عائشة
وفي
المدينة مرضت السيـدة عائشـة مرضاً شديداً، ولم تعلم بالحديـث الذي وصل
للرسـول صلى الله عليه وسلم وأبويها، إلا أنها قد أنكرت من الرسول صلى
الله عليه وسلم بعض لطفه بها، وحين رأت جفائه لها استأذنت بالانتقال إلى
أمها لتمرضها فأذن لها...
الأوس والخزرج
وقد
قام الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: "أيها الناس، ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير
الحق؟... والله ما علمت منهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجلِ والله ما علمت
منه إلا خيراً، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي"... فلمّا قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، قال أسيْد بن حُضَيْر: يا رسول
الله، إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج
فمُرْنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم ...
فقام
سعد بن عُبادة فقال: كذبت إنك لا تُضرَب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه
المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا...
قال أسيد: كذبت ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين... وتساور الناس حتى كاد
أن يكون بين هذين الحيّين من الأوس والخزرج شرّ، ونزل الرسول صلى الله
عليه وسلم فدخل على عائشة...
الإستشارة
ودعا
الرسول صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فاستشارهما،
فأما أسامة فأثنى خيراً وقال: يا رسول الله، أهلك، ولا نعلم عليهن إلا
خيراً، وهذا الكذب و الباطل ... وأما عليّ فإنه قال: يا رسول الله، إنّ
النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسلِ الجارية تصدُقك ...
الرسول وعائشة
تقول
السيدة عائشة: ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي،
وعندي امرأة من الأنصار، وأنا أبكي وهي تبكي معي، فجلس فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: "يا عائشة، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس، فاتّقي الله
وإن كنت قارفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي الى الله، فإن الله يقبل التوبة
من عباده"...
قالت:
فوالله ما هو إلا أن قال ذلك، فقلص دمعي، حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت
أبَوَيّ أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما... فقلت
لهما: ألا تجيبان رسول الله؟ ... فقالا لي: والله ما ندري بماذا نجيبه ...
قالت:
فلما أن استعجما عليّ استعبرت فبكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما
ذكرت أبداً، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أنّي
منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما تقولون لا تُصدِّقونني،
ولكني أقول كما قال أبو يوسف: "فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما
تصفون"...
البراءة
قالت
السيدة عائشة: فوالله ما بَرِحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى
تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسُجِّي بثوبه، ووضِعت له وسادة من أدم تحت
رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت كثيرا ولا باليت،
قد عرفت أني بريئة، وإن الله غير ظالمي، ثم سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول:
"أبشري
يا عائشة، فقد أنزل الله براءتـك... ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم
ما أنزل اللـه عز وجل من القرآن... سورة النور (11-19)... وبدايتها...
قال تعالى: "إنَّ
الذين جَاؤُوا بالإفكِ عُصْبَةُ منكم، لا تحسبوه شراً لكم بلْ هو خيرُ
لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسبَ من الإثم، والذي تولَّى كِبْرَهُ منهم له
عذابٌ عظيمٌ * لولا إذ سمعتُموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا
وقالوا هذا إفكٌ مبينً"...
إقامة الحد
ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمسطح بن أثاثه، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدَّهم...
[/center]