[size=21]سيدة نساء قريش
( خديجة بنت خويلد )
هى
أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، أمنا خديجة بنت خويلد رضى اللَّه عنها ،
كانت تدعى في الجاهلية : الطاهرة ، لطهارة سريرتها وسيرتها، وكان أهل مكة
يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة،
فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها
له: إنه مما دعانى إليك دون أهل مكة ما بلغنى من صدق حديثك، وعظيم أمانتك،
وكرم أخلاقك. وقد سمعت من غلامها ميسرة - الذى رافق النبي صلى الله عليه
وسلم في رحلته إلى الشام - ما أكد لها صدق حدسها ونظرتها في أمانته وصدقه
وحسن سيرته في الناس ، فقد روى لها ما رآه في طريق الذهاب والعودة عن
الغمامة التي كانت تظلل النبي صلى الله عليه وسلم حين يشتد الحر، وعن خُلق
النبي وسلوكياته في التجارة، وأخبرها بأنه كان لا يعرض شيئًا عُنْوة على
أحد، وأنه كان أمينًا في معاملاته، فأحبه تجَّار الشام وفضَّلوه على غيره.
كل هذه الأخبار عن النبي جعلت أمنا خديجة رضى اللَّه عنها ترغب في الزواج
منه ، فبعثت إليه بصديقة لها تسأله بطريقة غلب عليها الحياء عن سبب عدم
زواجه ، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بسيط الحال فمن التي تقبله
، فأجابته الصديقة بأنها ستسأل السيدة خديجة في ذلك .
وفكر رسول اللَّه في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة، من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد.
وتزوج
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأمين وعمره خمسة وعشرون عامًا بأمنا
خديجة الطاهرة وعمرها أربعون عامًا، فولدت له أولاده كلهم - عدا إبراهيم -
وهم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله .
وكانت
رضى الله عنها مثالا للوفاء والطاعة ، تسعى إلى مرضاة زوجها، وعندما نزل
الوحى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانت أول من آمن به. فقد جاءها
الرسول يرتجف ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: "زمِّلونى زمِّلوني"
أى غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها الرسول
صلى الله عليه وسلم بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: "لقد خشيتُ على
نفسي". فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة قائلة: كلا واللَّه ، ما يخزيك
اللَّه أبدًا ، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى
الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق . ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول
معه في الدين الجديد.. فكان قولها الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي وتسرية عنه.
إنها
لحكيمة عاقلة، علمت بشفافيتها ونور بصيرتها حقيقة الأمر، وأن اللَّه لا
يجزى عن الخير إلا الخير، ولا يجزى عن الإحسان إلا الإحسان، وأنه يزيد
المهتدين هدي، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت: أبشر يابن عم
واثبت، فوالذى نفسى بيده، إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة.
ثم
أرادت أن تؤكد لنفسها ولزوجها صِدْقَ ما ذَهَبَا إليه، فتوجهت إلى ابن
عمها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ في التوراة والإنجيل وعنده علم بالكتاب
فقد تنصّر في الجاهلية وترك عبادة الأصنام فقصّت عليه الخبر، فقال ورقة :
قدوس قدُّوس، والذى نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقْتينى يا خديجة ، لقد جاءه
الناموس الأكبر الذي كان يأتى موسى، وإنه لنبى هذه الأمة ، فقولى له:
فليثبت.
فلما
سمعت أمنا خديجة رضى اللَّه عنها ذلك ، أسرعت بالرجوع إلى رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم، وأخبرته بالنبوة والبشرى فهدَّأت من رَوْعِه.
وكانت
رضى الله عنها تهيئ للنبى صلى الله عليه وسلم الزاد والشراب ليقضى شهر
رمضان في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا
تؤنس وحشته وترعاه.
ولما
دخل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار
قريش دخلت معهم أمنا خديجة رضى الله عنها ، وذاقت مرارة الجوع والحرمان،
وهى صاحبة الثراء والنعيم .
كانت
نعم العون لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم في رحلة الدعوة
الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول البشرى بصدق الدعوة وانتصار
الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها، وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له
ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق، وعقلها الراجح، وحبها الفياض،
وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد ساعده، وازداد المسلمون، وانطلقت
الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار
.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
يقول: يقول لك الله تعالى : أقرئ خديجة السلام وبشرها ببيت في الجنة من
قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب (لا ضجيج فيه ولا تعب).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يذبح شاة يقطعها ، ثم يبعث منها لصويحبات أمنا خديجة .
لقد
كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة، وصدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من
النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد ،
وفاطمة بنت محمد" [متفق عليه]. وتُوفيت أمنا خديجة رضى اللَّه عنها في
رمضان قبل الهجرة بأعوام ثلاثة، في نفس العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب:
عام الحزن كما سماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حيث فقد فيه المعين
والسند، إلا رب العالمين. ودفنت بالحجون .